النوارس نيوز
عين الحقيقة

نور الدائم طه.. “الرجل الذي تكتبه الرمال على عروق الذهب”

بقلم- عبد الجليل سليمان- لا أحد يعرف متى وأين ولد ودرس “نور الدائم طه“؛ فهذه الأمور غير مبذولة في سيرته بشكلٍ كاف. لم يُحدّث أحد عن طفولته، ولم يرو عنه زميل في مدرسة، ولا صديق طفولة في زقاقٍ من أزقة المدن النائية.

وكأنه خرج من طيات الرمال حين هبّت رياحٌ ليلية على تخوم “بيري بور”، المكان الذي تقول الأساطير إنه لا يظهر على الخرائط إلّا حين تغفو الأقمار الاصطناعية.. قال راوٍ قديم في سهرة صحراوية: “هذا رجل لم يولد، بل استُدعي”، ربما من تراتيل الأمطار، أو انبثق من عظم قافلة دفنتها رمال الصحراء قبل قرن في وادي هور.

حكايات مبهمة
الرجال الذين يعرفونه لا يذكرون أين التقوه أول مرة.
يقولون إن له نظرة تُشبه عيون الثعالب القديمة، وأنه يُتقن الإنصات كمن يسمع ضربات طبول بعيدة، لا يسمعها غيره.
في إحدى السهرات، حكى شيخ قادم من طريق الملح قصة رجل لا تنعكس صورته في المرايا، وقال: “كلما نظرت إليه، رأيت ضوءً لا يُنير، وأثرًا لا يُمحى”.

مفاوض حربائي
في الخرطوم، اسمه يمرّ كالماء تحت الأبواب.
ينزلق من تحت ألسنة السياسيين، ويظهر فجأة على موائد التفاوض، ثم يختفي دون أن يترك أثراً سوى طنين الميكروفونات.
هو من يُرسل إلى الطاولات حين تفشل الكلمات، ومن يُقال له: “تكلّم… بصيغة منتهى الغموض”.
كل ما يُحيط به يشبه الجُمل الناقصة. لا يعرف الناس جامعته، ولا مؤهله، ولا حتى صوته حين لا يكون رسميًا.
لكنه حاضر، دائمًا، كأثرٍ لشيء لا نُدركه.

بين الملفات
حين طُرح اسمه لوزارة المعادن، تحرّك الهواء في الغرف المغلقة.
لم يتكلم أحد بصراحة، لكن وجوهًا تغيّرت.
بعضهم ابتسم كأن الذهب وجد صاحبه، وآخرون تنحنحوا بلا سبب، كأنّهم يشمّون دخانًا من تحت الأرض.
الناس لا يقولون: “قد يفسد”.
بل يقولون: “نخشى أن يضيع البريق قبل أن يُصقل”.
ويقولون أيضًا: “هذا رجلٌ لا يُرى حين يأخذ… ولا يُنسى حين يُمسك بالمقبض”.

حضور غريب
في المجالس، يسمونه الغائب الحاضر، وفي الصحف يُشار إليه بـ”المساعد السياسي”، وفي الميدان يُرافق من لا يُرافقه أحد.
صوته نادر. ظهوره محسوب. كل خطوة له كأنها تمشي فوق حقل ألغام.
وإذا ذُكر اسمه، فإن الذهب يومض في الخيال، لا لأنه يسرقه، بل لأنّه يعرف مكانه قبل الخرائط.

أسئلة أخيرة
هل هو رجلٌ من صحراء لا تُحدّ؟
أم أثرٌ يتكرّر كلما تاهت البلاد بين الاتفاق والانقسام؟
يمكث حيث يُراد له أن لا يُسأل.
كأنه خُلق ليبقى حيثُ تكون المعادن، والقرارات، والأسئلة التي لا يجرؤ أحد على طرحها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.