النوارس نيوز
عين الحقيقة

الدولار يحلق والأزمة تخنق السودانيين.. هل يعجز المركزي عن حماية الجنيه ؟

يشهد الجنيه السوداني تراجعًا تاريخيًا في قيمته أمام الدولار الأميركي، إذ تجاوز سعر صرفه عتبة الـ3,000 جنيه في السوق الموازية، وسط تحذيرات اقتصادية من تداعيات خطيرة على الوضعين السياسي والمعيشي في البلاد، التي ما تزال غارقة في الحرب للعام الثالث على التوالي.

 

هذا الانهيار يُعزى إلى التآكل الحاد في احتياطي النقد الأجنبي لدى بنك السودان المركزي، ما دفع التجار والمستوردين للاعتماد على السوق السوداء لتوفير الدولار، وهو ما فاقم من تدهور قيمة العملة الوطنية.

 

في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، أكد عدد من العاملين في السوق الموازية أن الطلب على الدولار بلغ مستويات غير مسبوقة، مشيرين إلى أن الأسعار وصلت إلى 3300 جنيه قبل أن تعود إلى 2900، وسط تقلبات يومية تعكس حالة من عدم الاستقرار. وتشير تقارير إلى دخول أطراف ذات إمكانيات مالية كبيرة إلى السوق، يُعتقد أنها مرتبطة بالسلطات القائمة، بهدف تغطية نفقات الحرب وشراء مستلزمات عسكرية.

 

في محاولة لاحتواء الأزمة، اتخذ البنك المركزي قرارًا بفرض قيود صارمة على استخدام التطبيقات المصرفية، ما أدى إلى تعطيل التحويلات الكبيرة التي تُستخدم عادة في عمليات الاستيراد والتمويل. ومع ذلك، اعتبر عدد من الاقتصاديين هذه الإجراءات حلولًا سطحية لا تعالج جذور المشكلة، في ظل استمرار شُح النقد الأجنبي، وانعدام الثقة في السياسات المالية المعتمدة.

 

يشكّل الذهب أحد أهم مصادر الدخل من العملة الصعبة في السودان، إذ بلغت عائداته قرابة ملياري دولار في العام الماضي. غير أن استمرار عمليات التهريب يُفقد الدولة موردًا حيويًا، ويُسهم بشكل مباشر في اختلال ميزان الصرف. ويرى خبراء أن السيطرة على صادرات الذهب يمكن أن توفر دعمًا كبيرًا للجنيه، لكنها تتطلب إجراءات أمنية واقتصادية متماسكة، وهو ما تفتقر إليه البلاد حاليًا.

 

 

أشارت تقارير مستقلة إلى أن قيمة الجنيه تراجعت بأكثر من 22% خلال فترة وجيزة، في ظل غياب أي حلول سياسية لإنهاء الحرب أو تحقيق استقرار اقتصادي حقيقي. هذا الانحدار ترافق مع انخفاض حاد في إيرادات الدولة، حيث فقدت الحكومة نحو 80% من مداخيلها بسبب الحرب، ووصل معدل الانكماش الاقتصادي إلى 40% بنهاية عام 2023، مع توقّعات باستمرار التراجع هذا العام أيضًا.

 

من جهة أخرى، تسببت الحرب المستمرة في تعطيل الإنتاج المحلي، وتوقف آلاف المصانع والمنشآت الاقتصادية، إضافة إلى موجة نزوح كبيرة أفقدت السوق قوة العمل وأثقلت كاهل الاقتصاد، ما عمّق الأزمة وأدى إلى ارتفاع حاد في مستويات التضخم وندرة في السلع الأساسية.

 

فقدان تحويلات المغتربين التي كانت تشكل نحو 6 مليارات دولار سنويًا زاد من تعقيد الوضع المالي، لا سيما مع توسع نشاط السوق السوداء وانهيار الثقة في النظام المصرفي. ويؤكد محللون أن غياب هذه الموارد الحيوية ساهم في تعجيل الانهيار، بالتزامن مع شلل في السياسات الاقتصادية وعدم وجود برنامج إنقاذ فعلي يعيد الثقة للأسواق.

 

عدد من المحللين وصفوا الإجراءات الحالية بالفاشلة، مشيرين إلى أن القرارات المؤقتة مثل إيقاف التحويلات الإلكترونية لن تُسهم في معالجة الانهيار ما لم تكن جزءًا من رؤية شاملة لإصلاح الاقتصاد، ترتبط بخطوات سياسية واضحة لإنهاء الحرب. ويرى هؤلاء أن الجنيه، الذي كان يعادل 900 للدولار قبل عامين، وصل اليوم إلى مستويات كارثية بسبب فشل السياسات المتبعة وغياب حلول استراتيجية.

 

 

تزايدت المخاوف من أن تؤدي أزمة الجنيه إلى انفجار جديد في الأسعار، لا سيما أسعار الغذاء والدواء، وسط أزمات متصاعدة في الوقود والمواصلات وسلاسل التوريد. ويُتوقع أن يستمر هذا التدهور مع غياب أي مؤشرات على قرب حل سياسي شامل أو تعافي اقتصادي محتمل، مما يُنذر بتفاقم معاناة المواطن السوداني الذي يتحمل العبء الأكبر من هذه الكارثة.

 

 

في ظل هذا الواقع، يؤكد مراقبون أن إنقاذ الجنيه السوداني يتطلب حلاً سياسيًا شاملًا يوقف الحرب، ويعيد بناء مؤسسات الدولة، ويطلق عملية إصلاح اقتصادي حقيقية تستند إلى الشفافية واستقطاب الدعم الدولي، بعيدًا عن السياسات المؤقتة التي أثبتت فشلها.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.