التقت القوات المسلحة السودانية بمواطنة بريطانية تقيم في حي المهندسين بأمدرمان، حيث ظلت صامدة مع أبنائها طوال فترة الحرب التي شهدتها المنطقة. اللقاء الذي جمعها بالفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش، وثق في مقطع فيديو أثار تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي. البرهان عبّر عن تقديره لشجاعتها وموقفها الإنساني، مشيدًا بصمودها إلى جانب جيرانها من الأسر السودانية رغم المخاطر التي أحاطت بها.
الحدث لاقى إشادة كبيرة من رواد المنصات الرقمية، واعتبره كثيرون نموذجًا نادرًا للوفاء والإخلاص، حيث وصفوا السيدة البريطانية بأنها تفوقت في الانتماء على كثير من أبناء الوطن الذين غادروا البلاد منذ اندلاع القتال. ولفت آخرون إلى أن هذه المرأة اختارت البقاء في واحدة من أخطر المناطق، في حين لجأ الكثيرون للهروب حفاظًا على سلامتهم.
المواطنة البريطانية، وهي زوجة لرجل سوداني، قررت البقاء في حي المهندسين الذي كان مسرحًا لمعارك عنيفة استمرت لأكثر من عام، خاصة مع محاولة المليشيات السيطرة على مقر سلاح المهندسين القريب من المنطقة. بقاؤها في هذا الموقع رغم التهديدات الأمنية عكس مدى التزامها وارتباطها بالمكان وأهله.
في المقابل، أثار الموقف جدلاً واسعًا بشأن مفهوم الانتماء الوطني، حيث أشار أحد المعلقين إلى أن شعوبًا مثل الفلسطينيين في غزة يواجهون القصف والدمار يوميًا دون أن يغادروا وطنهم، بينما غادر كثير من السودانيين بمجرد اندلاع القتال. وتمنى أن تعيد هذه التجربة تعريف العلاقة بين المواطن السوداني وأرضه.
وصف إبراهيم الترابي موقف السيدة البريطانية بأنه تجسيد حقيقي للوفاء، مشيرًا إلى أن كثيرًا من السودانيين الحاملين لجوازات أجنبية لم يترددوا في المغادرة، بينما بقيت هذه المرأة لأنها تعتبر السودان وطنها الحقيقي. وأضاف أن الموقف يعكس ارتباطًا روحيًا عميقًا يتجاوز الجنسية أو الخلفية الثقافية.
كوثر محجوب، وهي من سكان المنطقة، تحدثت عن تجربتها خلال الحرب، مؤكدة أنها بقيت في منزلها حتى شهر مارس رغم تدهور الأوضاع ونقص الضروريات. وأوضحت أن عددًا من السكان اختاروا المغادرة، بينما قرر آخرون الصمود. وقالت إن التجربة أكسبتها فهمًا حقيقيًا لقيمة البيت والوطن، مضيفة أن سكان غزة يتمسكون بأرضهم رغم المصاعب، بينما يفتقر السودانيون للصبر في مواجهة الأزمات.
كما عبّر عوض آدم كمال عن أسفه لتراجع الإحساس بالوطنية، معتبرًا أن دولًا كثيرة حققت نهضتها من خلال تمسك شعوبها بوطنهم واستعدادهم للتضحية من أجله. واستشهد بحالة الهنود الذين عاشوا في السودان، وقال إن بعضهم بكى لحظة مغادرتهم بسبب تعلقهم بالبلد الذي احتضنهم.
القصة تسلط الضوء على قيم نادرة في زمن الأزمات، وتفتح الباب للنقاش حول مفهوم الوطن والانتماء، وما إذا كان مجرد مكان للإقامة، أم شعور راسخ يتجلى في أصعب الظروف.