أثار قرار حكومة إقليم دارفور، برئاسة مني أركو مناوي، بنقل مقر الحكومة إلى مدينة بورتسودان شرقي السودان، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والاجتماعية، خاصة أنه يتضمن نقل كافة الوزارات والهيئات والإدارات التابعة للإقليم إلى خارج دارفور، في وقت يعيش فيه الإقليم أوضاعاً أمنية وإنسانية متدهورة ويقع معظمه تحت سيطرة المليشيات، باستثناء مدينة الفاشر التي تشهد معارك متقطعة ويتقاسم السيطرة عليها الجيش وقوات الدعم السريع.
القرار أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول مستقبل دارفور كمركز للقرار المحلي، وهل يشير هذا التحول إلى بداية تفريغ الإقليم من سلطته السياسية والإدارية؟ وما إذا كان يشكل إعلاناً غير مباشر عن فقدان السيطرة على الإقليم من قبل حكومة مناوي، خصوصاً أن القرار جاء بعد ساعات فقط من تصريحات أطلقها مناوي عن خطة بديلة لفك الحصار عن مدينة الفاشر، دون الإفصاح عن تفاصيلها.
وخلال اجتماع عقد في أحد فنادق مدينة بورتسودان، أبدى مسؤولو الإقليم دعمهم الكامل للقوات المسلحة السودانية، مؤكدين أن الانتصارات الأخيرة تمثل خطوة نحو الحفاظ على وحدة السودان، في وقت تزداد فيه انتهاكات مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين ومؤسسات الدولة. الاجتماع تناول تقارير مفصلة من ولاة ولايات دارفور حول الأوضاع الإنسانية والصحية والتعليمية والأمنية، كما أكد المجتمعون على ضرورة التحرك العاجل لتحرير الإقليم وإنقاذ السكان من بطش المليشيات.
كما أدان المجلس حصار مدينة الفاشر، والانتهاكات المتواصلة بحق المواطنين، مشيراً إلى تجاهل قوات الدعم السريع المتكرّر للنداءات الإنسانية من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية. وطالب الاجتماع بتسريع وتيرة الإغاثة عبر معبر الطينة، مشدداً على ضرورة توفير المساعدات للنازحين واللاجئين في الولايات الآمنة.
في الجانب الخدمي، أشار الاجتماع إلى الجهود المبذولة في قطاعات التعليم والصحة، مع الإشادة بمشاركة طلاب الإقليم في الامتحانات العامة في ولايات أخرى، واستمرار التحضيرات لإجراء امتحانات للطلاب اللاجئين في شرق تشاد. كما ناقش الاجتماع صيانة البنية التحتية وبعض السدود، ووجّه بالتنسيق مع منظمات دولية لترحيل الجرحى من تشاد لتلقي العلاج داخل السودان، وأوصى بتشكيل لجنة لإعادة إعمار وتنمية الإقليم.
لكن في المقابل، عبّر بعض الناشطين والمعلقين عن انتقادات حادة لهذا القرار، معتبرين أن حكومة الإقليم “قنعت” من إمكانية استعادة السيطرة على دارفور، وأن قرار نقل المقر إلى بورتسودان ما هو إلا إقرار ضمني بفقدان سلطة الأمر الواقع على الأرض، لا سيما مع استمرار التدهور الأمني وتصاعد أعمال العنف.
من جانب آخر، اتهمت الصحفية أمينة الفضل، في منشور لها، حاكم الإقليم مني أركو مناوي بالسعي لبناء “دولة داخل الدولة”، معتبرة أن أداءه في المناصب السابقة لم يسفر عن نتائج ملموسة، وأن ما يحدث الآن لا يعدو كونه محاولة للتموضع السياسي والبقاء في دائرة السلطة على حساب معاناة سكان دارفور. وأضافت أن قرار نقل الحكومة يزيد من الأعباء المالية على الدولة ويعمق من الترهل الإداري، متسائلة عن الخطوات الحقيقية التي اتخذها مناوي لإنهاء الحصار عن الفاشر أو لتحسين أوضاع المواطنين.
الجدل لا يزال مستمراً حول ما إذا كان هذا القرار يعكس واقعاً مفروضاً أم خياراً استراتيجياً مؤقتاً، وسط مشهد سياسي معقد وتوازنات عسكرية هشّة تفرض على الأطراف الفاعلة في السودان إعادة حساباتها بشكل مستمر.