متابعات – النوارس – يرى خالد عمر يوسف، المعروف بـ”خالد سلك”، أن استعادة القوات المسلحة السيطرة على الخرطوم تمثل تحولًا جوهريًا في مجريات الحرب، إذ تمكنت من تثبيت وجودها في شمال ووسط وشرق السودان.
في المقابل، لا تزال قوات الدعم السريع تفرض هيمنتها على معظم ولايات دارفور وأجزاء من كردفان، بينما تواصل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة/جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، سيطرتهما على مناطق في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور.
هذه التطورات تطرح تساؤلات حول مدى اقتراب نهاية الحرب وإمكانية عودة السلام إلى السودان.
المطلب الأهم الذي ينبغي التركيز عليه هو وقف الحرب وإعادة الحياة إلى طبيعتها، بغض النظر عن الوسائل التي تحقق ذلك. لا يوجد هدف أسمى من إنهاء هذه المأساة التي أرهقت البلاد وأثقلت كاهل المواطنين.
فالمعاناة الناجمة عن الحرب لا تُحتمل، ولا بد من البحث عن حلول تُحقق الاستقرار.
تصريحات قادة القوات المسلحة، عقب استعادة الخرطوم، تشير إلى عزمهم على مواصلة القتال، وهو ما يتماشى مع موقف قادة الدعم السريع الذين يرون ما يجري كجزء من استراتيجية الكر والفر التي ترافق النزاعات المسلحة.
هذا يعني أن القتال سيستمر لبعض الوقت، لكن المشاهد اليومية للدمار والضحايا تؤكد أن الحرب لا تجلب سوى الخراب. لذا، يبقى الخيار السياسي والأخلاقي الأمثل هو التوجه نحو السلام، مهما ارتفعت الأصوات الداعية لمواصلة القتال.
استمرار الحرب لا يوفر حلولًا للأزمات العديدة التي يعاني منها السودان، بل يؤدي إلى تكريس حالة عدم الاستقرار وفتح الباب أمام مزيد من النزاعات. يرى البعض أن القتال ضروري لتوحيد الدولة تحت سلطة واحدة وإنهاء تعدد الجيوش، لكن الواقع يُظهر أن هذه الحرب لم تحقق ذلك، بل أدت إلى توسع قوات الدعم السريع، وزيادة تجنيدها، وتحسن نوعية تسليحها. كما أن القوات المسلحة نفسها أوجدت كيانات عسكرية جديدة مثل كتائب البراء والفرقان ودرع السودان، إضافة إلى تزايد انتشار الأسلحة بين المدنيين والقبائل، مما يعزز احتمالات اندلاع صراعات مستقبلية. التاريخ السوداني يثبت أن أي جماعة مسلحة تنشأ تحت رعاية الدولة تتحول لاحقًا إلى أزمة يصعب حلها، وهو ما تكرر منذ اندلاع أول حرب في السودان عام 1955.
الخطر الأكبر الذي يلوح في الأفق هو تهديد وحدة السودان، فاستمرار الحرب يعمّق الانقسامات الاجتماعية ويغذي خطاب الكراهية، مما قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للبلاد. فقد قادت النزاعات الطويلة في جنوب السودان إلى انفصاله، واليوم تتكرر نفس المؤشرات في السودان الحالي.
ومع لجوء كل طرف إلى تشكيل هياكل حكم خاصة به في مناطق نفوذه، تصبح وحدة البلاد على المحك. تجارب دول مثل ليبيا وسوريا واليمن والصومال تُظهر أن التقسيم الناتج عن النزاعات المسلحة يُصبح واقعًا يصعب تغييره.
كما أن التدخلات الإقليمية والدولية في السودان تزيد من تعقيد الأزمة، إذ أن تضارب المصالح الخارجية يحد من قدرة السودانيين على تقرير مصيرهم بأنفسهم، ما قد يؤدي إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ كما حدث في دول أخرى بالمنطقة.
هذه الحرب ليست مجرد صراع بين جنرالين أو مواجهة بين الدولة وجماعة متمردة، بل تعكس فشل الدولة السودانية في تأسيس نظام عادل يشمل جميع مكوناتها، بحيث لا يكون العنف وسيلة للوصول إلى السلطة. الحل الوحيد للخروج من دوامة الحروب المتكررة هو التوصل إلى صيغة جديدة للتعايش المشترك، تضمن تمثيل الجميع في الدولة دون إقصاء أو تمييز.
يجب أن يكون هناك دستور يعكس توافقًا عامًا، ويؤسس لنظام فيدرالي يتيح لكل إقليم إدارة موارده وتنميته بشكل عادل، مع ضمان توفير الخدمات الأساسية للجميع. كما ينبغي إنهاء استغلال الدين أو العرق أو الانتماء الجهوي كأدوات للهيمنة السياسية.
لا بد من بناء جيش وطني موحد لا يتدخل في السياسة أو الاقتصاد، ولا يسمح بنشوء أي تشكيلات مسلحة موازية، سواء كانت قوات خاصة أو مليشيات. يجب أن يكون السلاح حكرًا على المؤسسة العسكرية الرسمية، حتى لا تتكرر المآسي التي خلفتها الحروب.
إن استمرار القتال لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار وإزهاق الأرواح، بينما الأولوية يجب أن تكون لحشد الجهود نحو وقف شامل لإطلاق النار يضمن عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم دون تهديدات مستقبلية.
كما أن هناك تحديات ضخمة تنتظر السودان، مثل إعادة النسيج الاجتماعي الذي مزقته الحرب، وإعادة إعمار ما دُمر، وتعويض المتضررين. هذه المهام لا يمكن إنجازها إلا في ظل حل سلمي دائم وشامل، يُطوي صفحة النزاعات ويؤسس لمستقبل يسوده السلام والاستقرار.