في الفترة الأخيرة لقد واجهت فرنسا سلسلة من العمليات المزعزعة للاستقرار، نفذها أفراد لهم ارتباطات خارجية عبر أساليب رمزيّة منخفضة التكلفة لكنها كانت فعّالة.
وقد شملت هذه العمليات نشر رسومات معادية للسامية وتوجيه رسائل استفزازية تهدف إلى إثارة الجدل والانقسام داخل المجتمع الفرنسي.
“أيدي حمراء ملطخة بالدماء”
مطلع الأسبوع الماضي، قامت مجموعة مشبوهة برسم حوالي ثلاثين يدًا حمراء ملطخة بالدماء على حائط الصالحين في النصب التذكاري للمحرقة في باريس، مما أثار غضبًا كبيرًا في أوساط الرأي العام الفرنسي، كما ندد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ”معاداة السامية البغيضة” على حسب قوله.
فيما تتجه الاتهامات إلى روسيا في هذه العملية لتاريخها الحافل في هذا النوع من الاستفزازات كما تقول السلطات الفرنسية، وبحسب مكتب المدعي العام، تم الاشتباه بثلاثة أشخاص هربوا إلى بلجيكا بعد القيام بهذا العمل، مما يثير تساؤلات حول تورط جهات خارجية.
“تدخل روسي”
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اتهام روسيا في هذا النوع من القضايا. ففي نوفمبر المنصرم، أدانت فرنسا “التدخل الروسي” بعد أن ألقت السلطات الفرنسية القبض على زوجين من مولدوفا لقيامهما رسم نجمة داود رمز الديانة اليهودية على جدار بناء في الدائرة العاشرة بالعاصمة باريس، وتم وضعهما قيد الاعتقال، بعد أن تبيّن بحسب النيابة العامة أن الزوجين اللذين يوجدان على الأراضي الفرنسية هما في وضع غير نظامي، وكشفت مصادر مقربة من التحقيق أن الزوجين المولدوفيين تلقيا الأوامر من “شخص في روسيا”.
تاريخ من العمليات المزعزعة للاستقرار
ويعتبر مراقبون أن هذا النوع من العمليات ليس جديدًا على روسيا.
فقد أوضح برنارد ليكومت، مؤلف كتاب “التاريخ الحقيقي للخدمات السرية السوفيتية”، أن هذه الأساليب كانت تُستخدم بكثرة في ستينيات القرن الماضي خلال الحرب الباردة، حيث كان يتم وضع علامات على المقابر اليهودية لإثارة الفتن. وفق صحيفة لوباريزيان الفرنسية.
الأهداف والتأثيرات
وبحسب صحيفة لوباريزيان الفرنسية فإن روسيا تحاول منذ حربها مع أوكرانيا الترويج لفكرة النضال ضد النازيين هناك، ومن خلال استخدام صور نجوم داود أو الأيدي الحمراء في فرنسا، يمكنها أن تدّعي أن فرنسا تشارك في نفس الاتجاه النازي، مما يبرر حربها. والأهم من ذلك أن هذه الوسائل لا تتطلب تمويلاً كبيراً، إذ يكفي زرع عناصر أجانب للقيام بوضع اشارات معادية للسامية وتنفيذ مخططات تثير الفتنة في المجتمع.
وتقول الصحيفة إن استخدام هذه الوسائل الروسية ذات التكلفة المنخفضة يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار فرنسا، حيث تسعى روسيا إلى استغلال نقاط الضعف الاجتماعية والسياسية لتعزيز أهدافها الجيوسياسية. لذا تحتاج فرنسا والمجتمع الدولي إلى التعاون لمواجهة هذه التهديدات والتصدي للاستراتيجيات التي تسعى إلى زرع الفوضى والانقسام.
الهجمات الإلكترونية واستراتيجيات التأثير
بالإضافة إلى هذه الإجراءات المباشرة على الأراضي الفرنسية، تُتهم روسيا أيضًا بالهجمات السيبرانية، كما حدث مؤخرًا في كاليدونيا الجديدة، أو بوضع استراتيجيات التأثير على الشبكات الاجتماعية. ويمكن لهذه الجبهات المختلفة أن تغذي بعضها بعضًا: يقول ديفيد كولون، باحث في جامعة العلوم السياسية في باريس، لصحيفة لوباريزيان إن هذه “الأعمال هي جزء من استراتيجية عالمية لإضعاف المجتمعات الديمقراطية”. ومع اقتراب الألعاب الأولمبية في باريس، فإنها “تضعف صورة فرنسا، وتظهرها بلداً يعاني من الفوضى”.
صعوبة إثبات التورط الروسي
ورغم أنه ليس من السهل دائمًا إيجاد أدلة قاطعة تثبت تورط موسكو، لكن فرنسا تشير بانتظام إلى الكرملين. وهو أمر لم تخفه باريس سابقاً عندما أوضح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين في فبراير الماضي: “روسيا هي العدو الرئيسي اليوم لفرنسا في الحرب الإعلامية، والعدوان على أراضيها “.