متابعات – النوارس – في ظهر الجمعة، 20 يونيو 2025، كتب التاريخ العسكري السوداني صفحة من الفخر والبطولة في معركة بابنوسة القمير، حيث تجلت إرادة الرجال وصمودهم في وجه تحدٍ كاد أن يغيّر معالم المعركة.
برهنت فرقة 22 على حقيقة آية “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”، إذ واجه أبطالها هجمات كثيفة من مليشيا مدعومة بسلاح إماراتي ومرتزقة جُلبوا من مناطق متعددة مثل الفاشر ونيالا والمجلد، وكان الهجوم مدعوماً بحوالي خمسمائة عربة مسلحة، كل منها محمّل بعشرة مسلحين مسلحين بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة.
لكن فرقة 22 لم تكن مجرد قوة عسكرية، بل مدرسة متفردة في مكافحة الجنجويد، بخطط محكمة وأسلوب تكتيكي مكنها من تحويل معركة بابنوسة إلى مأساة حقيقية للمليشيا، التي كانت قد أُغرِيت بالمال والوعود، مما دفع أعداداً هائلة من اللصوص والمرتزقة إلى الانغماس في فوضى جمع الغنائم، لكن الفرقة كانت جاهزة داخل خنادقها، لتبدأ معركة حاسمة بين الكثرة والقوة، بين الحق والطمع، حيث وقف أبناء المسيرية إلى جانب السودانيين من دارفور وكردفان وتشاد في وجه هذا الغزو.
ثلاث ساعات من القتال العنيف أفضت إلى سقوط أكثر من ألف من عناصر المليشيا، ونهب 22 عربة إماراتية، وتدمير عشرات أخرى على خطوط الدفاع. المعركة أثبتت أن الإيمان بالحق والتماسك يتفوقان على الأعداد، وكشفت زيف الادعاءات التي تزعم تأييد المسيرية للمليشيا، فالمسيرية تمثل العمود الفقري للفرقة 22 بقيادة اللواء معاوية، الذي يعد من رموز الصمود العسكري في السودان. وباسم الشعب، يُطالب بترقية الضباط والجنود المشاركين في هذه الملحمة، تقديراً لشجاعتهم وتضحياتهم التي ستظل محفورة في ذاكرة الوطن.
في المقابل، يثير غياب الفريقين ياسر العطا وشمس الدين كباشي، من المشهد السياسي والعسكري تساؤلات واسعة، خاصة في ظل الدور الكبير الذي لعباه منذ سقوط نظام الإنقاذ. اختفاء العطا، المعروف بصراحته وقربه من الناس، يثير القلق، لا سيما بعد أن أُعلن عن رحلة علاج لابنه، في وقت يزداد فيه التوتر السياسي، ما يطرح علامات استفهام حول مصير التحالف الوطني المرتقب.
أما كباشي، الذي تراجع عن الظهور بعد تعيين كامل إدريس رئيساً للحكومة الانتقالية، فقد كان شخصية محورية في إدارة ملفات الدولة والخدمة المدنية، ويُعرف ببراعته العسكرية والتخطيطية وقواعد شعبيته بين الضباط والجنود. هل هو ينأى بنفسه لإفساح المجال أم يستعد لقيادة معارك حاسمة في كردفان ودارفور؟ غياب هؤلاء القادة في هذه المرحلة الحاسمة يتطلب تفسيراً واضحاً، لأن غيابهم في لحظة مفصلية من عمر الوطن قد يكون مؤشراً لتغيرات كبرى.
أما على الصعيد السياسي، فإن تعيينات المسؤولين ليست الجوهر بحد ذاته، بل الالتزام الصارم بتنفيذ اتفاق جوبا الكامل هو الأساس، إذ يجب على رئيس الوزراء كامل إدريس تقديم برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح يعكس طموحات الشعب، بعد أن استمع إليه من مختلف المناطق، ثم يعرضه على مجلس السيادة الذي ينبغي أن يستعيد نشاطه ليشعر الناس بوجوده الفاعل.
وبعد ذلك، يعرض البرنامج على مجلس الوزراء، الذي يتحمل معه المسؤولية الجماعية، وفي ظل غياب البرلمان يمكن اعتبار الاجتماعات المشتركة بين المجلس والوزراء بمثابة برلمان مؤقت وفق الوثيقة الدستورية، ليُكتب بذلك فصل جديد في تاريخ السودان السياسي، على أمل أن يقود كامل إدريس المرحلة الانتقالية برؤية واضحة وإرادة حقيقية تخرج البلاد من أزمتها.