متابعات – النوارس – شهدت الساحة السودانية مؤخراً تطورات كشفت عن تورط أطراف إقليمية في مخطط خطير، هدفه إعادة تشكيل موازين النفوذ في المنطقة. فقد تبيّن وجود تنسيق بين الحكومة الإثيوبية وميليشيا “قوات الدعم السريع”، برعاية إماراتية مباشرة، في صفقة خفية كانت تهدف إلى تسليم زمام السلطة في السودان لتلك الميليشيا، مقابل تنازلات استراتيجية تتضمن أراضٍ سيادية في كل من السودان وإثيوبيا.
أحد أبرز محاور هذه المؤامرة تمثل في محاولة نقل السيطرة على منطقة غرب تيغراي، الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الأمهرا، إلى النفوذ الإماراتي، مقابل دعم عسكري ومالي واسع للحكومة الإثيوبية، يتضمن صفقات تسليح نوعية. وفي السياق نفسه، برزت منطقة الفشقة الكبرى – وهي أرض سودانية بحتة – كجزء من الامتداد الجغرافي الذي يربط غرب تيغراي بالموانئ السودانية، ما يجعلها قطعة حيوية ضمن مشروع جيوسياسي واسع النطاق.
المخطط الإماراتي كان يهدف إلى إنشاء ممر بري استراتيجي يبدأ من غرب تيغراي ويمر عبر الفشقة حتى يصل إلى البحر الأحمر، مما يمنح أبوظبي منفذاً مباشراً على المنطقة دون المرور عبر قنوات السيادة الوطنية السودانية. هذا المشروع كان سيُنفذ على حساب وحدة السودان واستقلال القرار الإثيوبي، فضلاً عن تقويض تطلعات شعب تيغراي في استعادة أراضيهم المحتلة.
ورغم عدم تعرض لاجئي تيغراي في السودان للترحيل القسري، فإن تصاعد الفوضى الأمنية التي سببتها قوات الدعم السريع في محيط معسكراتهم فرض حالة من القلق والتهديد المستمر، وسط غياب الضمانات الإنسانية والأمنية.
إلا أن هذا المخطط لم يكتمل. فقد تمكّن الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من تنفيذ سلسلة عمليات عسكرية حاسمة، نجح من خلالها في طرد قوات الدعم السريع من مناطق واسعة، شملت العاصمة الخرطوم، وأم درمان، وولاية الجزيرة، وسنار، وغيرها من المناطق الحيوية. ومع سقوط هذا الامتداد العسكري للميليشيا، انهارت تماماً خطة “الممر الإماراتي”، وانتهت معها محاولة قضم الأراضي السودانية والإثيوبية.
ومع ذلك، لا تزال قضية غرب تيغراي تراوح مكانها. المنطقة لا تزال تحت احتلال ميليشيات الأمهرا، في وقت تُظهر فيه حكومة إقليم تيغراي، بقيادة الجنرال تاديسي ورِدي، عجزاً عن استعادة الأرض أو اتخاذ موقف واضح، ما فجّر موجة من الغضب داخل صفوف التيغراي، لا سيما في أوساط اللاجئين الذين ينتظرون العودة إلى وطنهم بكرامة واستقرار.
اليوم، يرفع شعب تيغراي ومعه الوطنيون السودانيون صوتهم مطالبين بتحرك فوري وحاسم. فالتخاذل لم يعد مقبولاً، ولا مجال للصمت أمام مشاريع مشبوهة تستهدف تفكيك الأرض وتفريغ الإنسان من حقه في السيادة والكرامة.