النوارس نيوز
عين الحقيقة

عرمان يسأل كامل إدريس !

متابعات - النوارس

متابعات – النوارس  –  توجّه إليّ عدد من الصحفيين بالسؤال عن رأيي في تعيين الدكتور كامل إدريس، وأجبتهم أنني سأفرد لهذا الأمر مساحة لاحقة. في الأشهر الماضية، آثرت الصمت والابتعاد عن التعليق العلني على تطورات الحرب، رغم الدعوات الكثيرة التي تلقيتها للمشاركة في الحوارات والمنصات الإعلامية التي أكنّ للقائمين عليها كامل التقدير.

 

 

لم يكن ذلك تردداً في التعبير عن المواقف، فأنا منحاز لشعبنا منذ البدايات، ورافقت قضاياه في ثوراته الممتدة من 1924 إلى ديسمبر، وفي حركة مقاومته في الريف والمدن، سواء شاركت فيها أو تابعتها. لكن امتناعي ينبع من شعور عميق بالقلق على وطن يترنح على حافة الانهيار، تنهشه الأطماع الداخلية والخارجية، وتكاد الحرب تلتهم كل شيء جميل فيه، شعباً وموارد ومستقبلاً.

 

في قراري بالصمت، سعيت للاستفادة من تجربتي الطويلة، حيث خضت ثلاث حروب من مواقع قيادية: حرب 1983–2005، وحرب 2011–2020، والحرب المستعرة منذ 15 أبريل.

 

 

ما أدركته هو أن الكلمة، في مثل هذا التوقيت، يمكن أن تكون سلاحاً أشد فتكاً من الرصاص، وأن بلادنا أحوج ما تكون إلى خطاب يعيد وصل ما انقطع، لا أن يضيف إلى تمزقها، وإلى صوتٍ يطفئ نار الكراهية بدل أن يصب الزيت فوقها. بلدنا يحتاج إلى من يناهض الانقسامات الإثنية والجغرافية، ومن يدافع عن وحدة ترابه وثرواته المنهوبة.

 

 

حزني كبير على ما لحق ببلادنا من خراب، وعلى ما ذاقه شعبها من مآسٍ وتشريد ودماء وانتهاكات، وعلى ذاكرة وطن يتم العبث بها بلا رحمة. لكن إيماني بالشعب لا يتزعزع، فقد علمتنا الأيام أنه كلما سقط نهض، وكلما أُضعف استقوى، ولا قوة تغلب إرادته حين يقرر.

 

 

أما الدكتور كامل إدريس، فقد عرفته قبل عقدين من الزمان في لقاءات جمعته بعدد من القادة، بينهم الرئيس سلفا كير والإمام الصادق المهدي. لا أرغب في الخوض في شخصه، بل فيما يمثله موقعه الآن. تعيينه بموجب الوثيقة الدستورية الجديدة، يجعله تابعاً لا متبوعاً، موظفاً بلا تأثير حقيقي، عنواناً بلا مضمون، ومجرد واجهة سياسية في لحظة فارغة من التمثيل الحقيقي.

 

 

هو ليس رئيس وزراء لحكومة مدنية، بل لرئاسة زمن الحرب، منصب بلا استقلال، يفتقد للمبادرة والسلطة. والسؤال هنا: هل بإمكانه أن يطلق دعوة جادة لوقف الحرب؟ هل سيجعل من إنهاء المأساة الإنسانية أولوية؟ هل سيقف إلى جانب المدنيين؟ وإن لم تكن هذه قضاياه، وإن كانت الحرب هي محور برنامجه، فهل سيجد تأييداً يُذكر من الداخل أو الخارج؟

 

 

أتمنى صادقاً ألا يتحول هذا التعيين إلى مبرر لدفع قوات الدعم السريع وحلفائها إلى تشكيل حكومة موازية، تزيد من انقسام البلاد، وتقودها إلى هاوية سحيقة من التمزق والمعاناة، وتحوّل حياة السودانيين إلى جحيم من الفقر والدم والخراب.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.